تحولات المشرق و فهمها المغلوط تونسيا..

تحولات المشرق و فهمها المغلوط تونسيا..
الحبيب بوعجيلة
التحولات الاستراتيجية المهمة الواقعة في الشرق على ايقاع المسالة السورية و اليمنية و في خضم التوازن الجديد للقوة على جبهة صراع المقاومة مع العدو الصهيوني تترجم تونسيا في استخلاصات كاريكاتورية تحكمها سياقات " صغيرة " في صراعات تونسية " اصغر " .
الانتصار على مؤامرة الارهاب الدولي الصهيوداعشي و على نظرية الفوضى الهدامة لاعادة هندسة الاوطان و تفتيت الامة هو انتصار سيجعل منطقتنا العربية و العالم بعد هذه الانتصارات المركبة غير ما كان عليه الامر قبلها .
تراجع القدر الامريكي و طلاقة يد الغرب الاستعماري و الصهيوني في تقرير مصير الشعوب و بداية افول عصر النظم الرسمية العربية و حتمية التجاوز المزدوج للاستبداد الداخلي و الوصاية الاجنبية ..تلك هي الحصيلة المركبة و المعقدة لمجريات الاحداث في شرق العالم او جنوبه بالمعنى الكوني لصراع جنوب / شمال او شرق / غرب في افق بناء نظام عالمي جديد هذه المرة لن يكون بنفس التوازنات المختلة التي صيغ بها العالم في سياقات سايكس بيكو و لا حتى توازنات يالطا في تقاسم العالم بين قوتي الحرب الباردة الشيوعية و الراسمالية في نهايات النصف الاول من القرن العشرين .
هكذا تفهم و تتعاطى الدول / الامم الكبرى العائدة الى طاولة القوة الجغراسياسية في الشرق الصاعد ( ايران ..روسيا ..الصين ..تركيا ..و باقي دول الموجة العالمية في فك الارتباط مع الغرب الجيديومسيحي الاستعماري ) و هكذا يصوغ " عرب المقاومة " او محورهم كما يسمي نفسه رؤيتهم المركبة في سياقات هذا التحول : ديكولونيالية صاعدة تحررت من روح خضوع لغرب الاه يفعل ما يريد ..و نزوع الى عصر شعوب حرة و مواطنية تطمح الى دول مواطنة و ديمقراطية و عدل اجتماعي ...تلك معادلة المشروع الجديد الشامل للمقاومة كما نفهمه و ندرك ان المقاومين يفهمونه .
بعيدا عن هذه الروح الانسانية الشاملة لهذا الانتصار تصدمنا القراءات البائسة و الصغيرة و الاستقبال الاحمق لهذه التحولات في المشهد التونسي الذي يصوغ تصوراته كثير من لغط العوام و استخلاصات بعض " نخب مزعومة " لا تقل لغطا و امية سياسية عن العوام من اتباعهم .
كثير من المحمولين على بقايا منظومة الفساد و الاستبداد النوفمبرية المفجوعين في راسهم الهارب و نهاية عهد هيمنتهم للبلاد ينحازون ظلما و ادعاء الى انتصارات محور المقاومة في المشرق العربي و لكن نغمتهم السعواماراتية و عمالتهم للغرب الاستعماري لا تلبث ان تطل براسها اذ يتوهمون ان " الانتصار المقاوم " هناك سيعيد لهم قدرة على كسر خصومهم هنا ممن صنفوهم في خانة " الربيع الاخواني " في مطابقة حمقاء بين الثورة التونسية و حتى المصرية على نظامي الاستبداد و العمالة و المؤامرة على سوريا و اليمن فيجعلون انكسار المؤامرة هناك ايذانا بانهزام الثورة هنا فاذا هم يشحذون سكاكينهم و كانهم ينتظرون من مقاومة منتصرة في العراق و الشام و على اكناف فلسطين من حنوب لبنان و غزة ان تاتي بلبوس خلجاني عميل الى تونس لتتكفل باستئصال " الخوانجية " و قد تعيد بالمناسبة ايضا راسهم المخلوع من السعودية ..كل ذلك في خلط غبي لا يفهم شيئا في التعقيد و التركيب الذي حدث و في رؤية محور المقاومة لكيفية اعادة بناء المنطقة على قاعدة ارادة الشعوب و ترتيب الافكار و مراجعة التحالفات و حتى تصحيح الاخطاء و التوسط في المصالحات الكبرى بين التيارات الوطنية الكبرى و التي لن يكون فيها مكان لعملاء الاستبداد و الفساد و الارتهان .
في مقابل هذا الحمق " الاستئصالي " للبائدين فكرا و قوة يستقبل كثير من ادعياء الانتصار للثورة التونسية و منهم كثير من عوام " الاسلامية " الموهبنة او المؤمركة و بعض المحمولين على نخبتهم ..يستقبلون انتصار المقاومة في سوريا و اليمن كما يستقبلون حراك التركيب الاستراتيجي للدول / الامم في شرق العالم الصاعد بتوجس يجعلهم يواصلون عماهم الاستراتيجي الذي اوقعهم في المهالك و اوقع ثورتينا التونسية و المصرية نفسها في فخاخ العمالة و العداء للمقاومة . و كانهم يعتبرون ان هزيمة الحلف الامريكي الصهيوني الداعشي في سوريا و اليمن و قطع يد الخليج العميل هو هزيمة لهم بعد ان توهموا ان الحرب على سوريا و استعداء ايران و حزب الله هي من صميم " الثورة " دون ان يحدقوا جيدا في انعطافة حماس و مراجعات تركيا للخروج من الفخ الذي اوقعتهم فيه عبرنة " الربيع العربي " حين تم تصديره الى سوريا باسم " ثورة شعوب " ليتم التامر عليه في بلديه الاصليين تونس و مصر .
حمق هؤلاء و اوهام اولئك خطان بليدان لا يعني شيئا في حسابات محور مقاوم منتصر يصوغ رؤية كاملة و مشروعا جديدا للامة يؤلف بعبقرية عميقة لا يدركها السطحيون بين حرية الشعوب و تحرر الاوطان ..اما سطحية من لا يحسن الاستخلاص فلن يعني المقاومة التي لا تعير الاهتمام الى " نصير مزعوم احمق " او " خصم غبي " لا يحسن التموقع .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق