جنون ترامب وكسره للهلال الشيعي

جنون ترامب.. من رهائن السفارة الأمريكية. إلى مصيدة قاسم سليماني..
 تاريخ الهيمنة والتمرد.. 
المعز الحاج منصور.

سقطت بغداد عام 2003 تحت أحذية المارينز..
وسقطت بعدها كل بلاد العرب غنيمة للكوبوي الأمريكي المتغطرس.. وصنعت أمريكا تاريخا أسودا في العرب العارية..

لكن إيران بقيت متحصنة في مجالها الجيو- سياسي.. محافظة على طاقتها وقدراتها العسكرية والنووية والاقتصادية... مندفعة إلى حلف مع الصين روسيا..

لكن  الإغتيال السياسي جاء كمغامرة سياسية وعسكرية لقوة عنيفة ومتهورة.. انه تطور درامي للصراع الأمريكي / الإيراني الطويل منذ 40 عاما ..
 تاريخ  ثورة الخميني عام 1979 وسقوط نظام الشاه الموالي لواشنطن..  وبداية العداء التاريخي بين طهران واشنطن بداية بأزمة  احتجاز الرهائن في السفارة الأمريكية وصولا إلى اغتيال جنرال الحرب الشيعية المقدسة قاسم سليماني..

وفي قرار مفاجئ وصادم ومخيف.. أذن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لقواته الخاصة بتنفيذ اغتيال الجنرال الإيراني سليماني قائد فيلق القدس.. عملية سهلة وسريعة.. فيها غدر وخديعة الكوبوي الأمريكي.. وفيها حماقة وغباء للمحارب الشيعي المسكون بقيم الحسين وكربلاء..

ولم يكن القرار  مجرد اغتيال عابر... لقد ارتج له كل العالم.. 
في حساب سياسي معقد.. يخدم قطعا  اللوبي الاسرائيلي في المشهد الأمريكي اولا ..
مثلما  يخدم الرصيد الانتخابي المتهاوي  لدونالد ترامب في الانتخابات الامريكية المقبلة وفي أزمة محاكمته في الكونغرس ..

كان ترامب محتاجا إلى عملية دولية تعيد اليه هيبته المكسورة في الداخل الأمريكي وتستعيد شعبيته.. وتخيف خصومه في الصين وروسيا..
إنها هنا،  أمريكا... لم تضعف حين تجنبت منذ أشهر قليلة.. بحكمة رد الفعل اثر اسقاط إيران للطائرة التجسس للجيش الأمريكي..

لكنها تنفذ الان عملية  قتل منظمة تشرف عليها القوة الأكبر في العالم من أجل تصفية احد مهندسي الحلف الشيعي الناشئ في الشرق الأوسط.. 
وقد تمت عملية الإغتيال ليلة 3 جانفي 2020 في قصف موكبه قرب مطار بغداد.. وقد قتل معه عدد من قيادات الحشد الشعبي الشيعي في العراق.. 
صدمة وحيرة في الطبقة السياسية العراقية التي تعودت القفز بين المحتل الأمريكي وبين النفوذ الإيراني منذ سقوط نظام صدام حسين سنة 2003..
هي طبقة سياسية تتغذى من موائد إيران وتأكل العشاء مع المحتل الغازي.. عشش فيها الفساد وثار ضدها شعب العراق في مظاهرات بغداد منذ شهور..

يبدو الان  أن طبول الحرب الشاملة تقرع اليوم  في الشرق الأوسط باكمله.. من اسرائيل إلى الخليج فالهلال الخصيب.. إنها الحرب تستعر نارا.. 
و سليماني شخصية عسكرية إيرانية وهو الذي قاد الحرب في سوريا والعراق ضد داعش وضد التنظيمات الجهادية  السلفية السنية.. مثلما كان قائدا وخبيرا ميدانيا خلال الحرب العراقية الإيرانية ما بين 1980 و1988..

ثم إن تطور دور قاسم سليماني الذي كان المهندس والعقل المدبر لتمويل واسناد حركات المقاومة المسلحة خاصة في لبنان وغزة واليمن.. إذ يشرف الرجل على الدعم اللوجستي  والعسكري لحزب الله ولحماس في مواجهة إسرائيل.. والحوثيين في اليمن. 

هذا الإغتيال للجنرال سليماني يعد ضربة موجعة وصادمة للنظام الإيراني ولحلفائه.. وسيخرج نظاما فارسيا من قمقمه، وسيدفعها  إلى مغامرة او مواجهة ممكنة وعنيفة مع الجيش الأمريكي.. بعد أن تجنبت طهران طويلا المواجهة المباشرة بحنكة قيادة سياسية  تراكم ثقافة فارسية عريقة  تاريخيا في إدارة الازمات في العلاقات الدولية  ..
 ولعل العراق سيكون مسرحا لتلك  المواجهة المحتومة في الحاضر او المستقبل..
عدا ذلك فان إيران اذا ما صمتت وامتصت الصدمة.. ولم ترد الفعل.. فانها تكون قد رضخت فعليا لعملية إذلال سياسي وعسكري سيكسر شوكتها نهائيا في المنطقة..

في جهة مقابلة  فإن مطلب إخراج  القوات الأمريكية من العراق سيتحول إلى مطلب شعبي في العراق..
خاصة بعد قصف الطائرات الامريكية لمراكز الحشد الشعبي وحزب الله العراقي ومقتل اكثر من 25 عنصرا  وما ترتب عنه من اقتحام للسفارة الامريكية في بغداد..
انها عملية تؤكد ان المحتل الأمريكي مازال متمسكا بوجوده ونفوذه في العراق وانه لا يعير اهتماما بمسألة السيادة والاستقلال العراقي. 
سيثير ذلك مطلبا شعبيا وسياسيا في العراق وهو الدعوة الى سحب القوات الامريكية واستعادة استقلال دولة ما زالت قيد الاحتلال...
ان ذلك سيثير قطعا التساؤل عن الحاجة من  استمرار تمركز القوات الامريكية في 16 قاعدة عسكرية عراقية من شمال كردستان إلى جنوب البصرة والانبار على طول الحدود مع سوريا والسعودية...
انه صراع طويل وممتد بين نظام إيراني يحمل جذور قوميته الفارسية وعقيدته الشيعية  في دولة تمثل قوة إقليمية اقتصاديا وعسكريا..
 كانت إيران تطمح إلى بناء هلال شيعي يمتد من إيران إلى العراق وسوريا ولبنان وصولا إلى اليمن بتنفيذ وتخطيط من الجنرال قاسم سليماني.. 
لكن هذا الصراع مقيد في الضفة الأخرى بشروط  الهيمنة الامريكية وسياسات القوة من أجل الحفاظ على مصالحها في الشرق الأوسط، خاصة ضمان سيطرتها على منابع النفط والغاز، والمعابر التجارية البحرية، وضمان أمن حليفتها إسرائيل مع سعي محموم لاضعاف القوة المتنامية لايران. 
انها تحولات الشرق الملتهب من أجل السيطرة على منابع النفط والهيمنة على مجال عربي مهدم..
لكن العرب فقط يعيشون خارج التاريخ.. بعيدا عن إرادة القوة.. 

المعز الحاج منصور

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق